دي ميستورا في الجزائر قبل أيام من انعقاد مجلس الأمن.. هل تُحضِّرُ الأمم المتحدة قصرَ المرادية لـ"منعطف حاسم" في قضية الصحراء؟
تزداد قضية الصحراء المغربية زخما مع اقتراب موعد تقديم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، تقريره المرتقب إلى مجلس الأمن في أكتوبر المقبل، ففي جولة جديدة حملته إلى الجزائر مساء أمس الثلاثاء التقى وزير الخارجية أحمد عطاف، وقد بدا واضحا أن المبعوث الأممي لم يعد على نفس المسافة من كل الأطراف، بل شرع في توجيه رسائل أكثر وضوحا بخصوص مسؤولية الجزائر في استمرار النزاع.
اللقاء الرسمي ليوم أمس، كان في إطاره الدبلوماسي المعتاد، إذ حرص عطاف على التأكيد أن الجزائر تدعم جهود الأمم المتحدة وتتمسك بما تسميه "حق تقرير المصير للصحراويين"، غير أن ما رشح من كواليس هذه الجولة وما سبقها من تصريحات يكشف عن تحول مهم في مقاربة دي ميستورا.
فالمبعوث الأممي كان قد عبّر قبل أيام قليلة فقط، عن انزعاجه من الدور الجزائري خلال حوار أجراه مع مركز الدراسات الإيطالي للشؤون الدولية ISPI، حيث شدد على أن النزاع في جوهره ليس بين المغرب وجبهة البوليساريو فقط، بل بين دولتين هما المغرب والجزائر، فيما وصف "البوليساريو" بكونها "مجموعة" لا تملك القرار السيادي بيدها.
واعتبر دي ميستورا أن الجزائر لم تعد مجرد "مُراقب" كما تدَّعي، بل هي طرف مباشر يدعم الجبهة سياسيا وعسكريا ويحتضن قياداتها في تندوف وأكثر من ذلك، أكد دي ميستورا أن مهمته الرئيسية تقتضي تجنُّب انزلاق النزاع إلى صراع مفتوح بين البلدين الجارين، في إشارة واضحة إلى أن المسؤولية لا تقع على المغرب وحده، بل على الجزائر أيضا.
وهذه العبارات، التي التقطتها الدوائر الدبلوماسية الدولية بجدية، مثّلت لأول مرة خروجا عن "حياد" الخطاب الأممي التقليدي، و"تحديا" للرواية الجزائرية التي بنت على مدى عقود سرديةً مفادها أنها مجرد "دولة مجاورة" غير معنية بالحل.
وهذا الموقف الجديد يتزامن مع لقاءات دي ميستورا مع مسؤولين دوليين، أبرزها اجتماعه مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي، حيث جددت واشنطن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية ووصفتها مجددا بأنها الحل الواقعي والوحيد لإنهاء النزاع.
وبالنسبة للولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، لم يعد الملف قابلا للتأجيل أو إدارة الوقت، بل صار جزءا من حسابات الاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، خاصة مع ارتفاع المخاطر الأمنية وتنامي تهديدات الجماعات المسلحة في الجوار الإفريقي.
والدعم الأمريكي المتجدد يضع المغرب في موقع قوة، خصوصا وأن مبادرة الحكم الذاتي تحظى أيضاً بتأييد متزايد من عواصم أوروبية وازنة مثل مدريد وبرلين وباريس، فضلا عن عشرات الدول الإفريقية والعربية التي فتحت قنصليات في العيون والداخلة.
في المقابل، تجد الجزائر نفسها في وضع مُعقد داخليا وخارجيا فإلى جانب تصاعد عزلتها الدبلوماسية في محيطها الإقليمي بعد الأزمة مع تحالف دول الساحل عقب إسقاط طائرة مسيرة، تواجه أيضا ضغوطا متنامية في مجلس الأمن لتوضيح موقعها الحقيقي من النزاع.
ورغم تمسكها بخطاب "الحياد"، فإن تصريحات دي ميستورا الأخيرة قلَّصت من هامش المناورة المُتاح أمامها ووضعتها في خانة المسؤولية المباشرة وهذا ما يجعل تقرير أكتوبر محطة مفصلية، إذ يتوقع أن يتضمن لأول مرة إشارات صريحة لدور الجزائر، وهو ما سيغيّر من شكل النقاش داخل مجلس الأمن ومن طبيعة التوصيات المستقبلية.
من جهة ثانية، فإن السياق الدولي يزيد من تعقيد المعادلة فالحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الطاقية العالمية جعلت من شمال إفريقيا منطقة ذات أهمية استراتيجية مضاعفة، وأي تسوية للنزاع باتت مرتبطة بترتيبات أوسع للأمن والاستقرار في المتوسط والساحل.
المغرب، الذي عزز مكانته كحليف استراتيجي للغرب في قضايا الأمن والهجرة والطاقة، يراهن على أن لحظة أكتوبر ستكون مناسبة لتثبيت مبادرته كحل وحيد عملي، بينما تجد الجزائر نفسها أمام خيارين إما الانخراط كطرف معلن في مسار تفاوضي جديد، أو الاستمرار في سياسة المراوغة بما يعمق من عزلتها.
وبهذا، تؤشر تصريحات دي ميستورا وزيارته للجزائر على تحول أممي ودولي في مقاربة النزاعـ فما عبّر عنه في روما بمركز ISPI لم يكن زلة لسان، بل رسالة مقصودة تعكس إدراكا متناميا بأن تجاهل الدور الجزائري لم يعد ممكنا ومع تجدد الدعم الأمريكي لمبادرة الحكم الذاتي، وتصاعد الضغوط الأوروبية والدولية,
ويبدو أن مجلس الأمن المنعقد في أكتوبر المقبل، قد يضع اللبنات الأولى لمرحلة جديدة عنوانها تحميل الجزائر مسؤوليتها الصريحة، وفتح الباب أمام تسوية سياسية تنطلق من مقترح الرباط كخيار وحيد واقعي كما وصفته "حاملة القلم" واشنطن، مع دعم سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة.




